محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا )

أخواتي

يسعدني و يشرفني أن أضع بين صفحات هذا الملتقى الغالي

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة صوتا و تفريغا ، و هي من ثلاث أجزاء

قام أحد الإخوة الفضلاء من طلبة العلم بوضعها في إحدى المنتديات

بتفريغ 3أجزاء منها

جزاه الله خيرا على ذلك

مع العلم أن هذه المحاضرة ألقيت ضمن دورة أقيمت في القصيم لعام 1427هـ ...

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

لتحميل الجزء الأول من المحاضرة اضغطي على :

رابط حفظ المحاضرة

تفريغ الجزء الأول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب غيره ولا إله سواه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]فهذه لقاءات ثلاث في هذه البلدة المباركة أهلا الطيبة أرضا وفي هذا المسجد المبارك نسأل الله جل وعلا أن يعيننا ويعينكم على التفقه في دينه؛ ومجمل ما نريد مدارسته سويا ونهذب به أنفسنا قبل غيرنا:
( ما هي الحلية التي ينبغي لمن طلب العلم أن يتحلى بها )

وإن كان لا يأنف من تلك الحلية أحد من المسلمين سواء كان ممن ينتسب إلى العلم أو لا ينتسب إليه؛ معلوم قطعا أيها الأخيار أن العلماء ورثة الأنبياء فأيسر طريق لمعرفة الحلية التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم أن يدرك طالب العلم أنه وريث للأنبياء سائر على نهجهم إذا وفقه الله فلينظر ما الهدي الذي تركوه وما التربية التي رباهم إياها ربهم تبارك وتعالى فإن أخذ من معين الأنبياء وهدي الرسل وسار على طريقهم وعرف ما السبيل الذي التزموه وما الطريق الذي سلكوه قدر له بفضل من الله ورحمة أن يصل إلى مراده.

وإنا نتكلم عن الطبقة العليا ممن هو متين في مادته العلمية متين في يقينه وإيمانه بربه غير عابئ بما يكون حوله مما يثبطه لا يرجو بعلمه إلا الفكاك من النار ودخول الجنة ونفع عباد الله الصالحين, أما من رجا بعلمه غير ذلك فليس الخطاب موجه إليه وليس الخطاب مرادا به وليس معنا في قبيل ولا دبير!

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]فنقول أيها المؤمنون: الله تبارك وتعالى لما بعث الرسل وأمرهم أن يبينوا رسالاته بعثهم مبشرين ومنذرين, يبشرون من أطاع الله بالجنة ويخوفون وينذرون من عصى الله بالنار.

وهو الطريق الذي سار عليه بعد ذلك أئمة الركب من العلماء الصالحين بعدهم وأعظم ما بينه الله جل وعلا لأنبيائه ورسله- إن ثمة مثل عامي له أصل في الفصحى لكن كثرة ترداد الناس إليه قتلته, لكن ثمة أشياء لا تخلق كثيرا رغم تردادها منها قول الناس " فاقد الشيء لا يعطيه"- .

لا يمكن أن يكون هناك طالب علم مؤثرا في الناس ما لم يكن أولا مقتنعا بالرسالة التي يحملها على يقين من الهدي الذي يدعو إليه وهذا هو الأمر العظيم الذي عني به القرآن في تربية النبي صلى الله عليه وسلم وعني به رب العزة في تربية أنبيائه ورسله؛ قال الله عن خليله إبراهيم { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } [الأنعام/75] فأراه الله جل وعلا ملكوت السموات والأرض حتى يكون إبراهيم على يقين مما يدعو إليه فلم يضره بعد ذلك ما انتابه وما اعترضه له في طريقه.

خوف بالنار فخرج منها سالما, طلب أن يقدم ابنه قربانا فمشى يخطو القدم تلو الأخرى واثقا من نصر الله له ليذبح ولده, قرب وأعطى قربانه للضيفان فعل كل ماطلب منه؛ لأنه كان في حقيقة الأمر واثقا من أن الله جل وعلا هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]وحتى تصل إلى هذا المستوى الرفيع أو تدنو منه أو تقرب إليه, كذلك جاءت تربية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم عرج به إلى سدرة المنتهى وتجاوز عليه الصلاة والسلام مستوى يسمع فيه صريف الأقلام ورأى الجنة ورأى النار, حتى إذا عاد للدنيا وحدث عن الجنة وعن النار يتحدث عن شيء على يقين منه صلوات الله وسلامه عليه.
وتلك المنزلة لا يمكن لنا أن ندركها لأنها من خصائص الأنبياء, ولكن يجب أن نحوم حول ما وصلوا إليه وأن نقتبس من مشكاة ما تركوه صلوات الله وسلامه عليهم.

فأولى ما ينبغي على طالب العلم أن يتحلى به:

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]اليقين بأن الله وحده المستحق للعبادة

فإذا تيقن المرء يقينا ليس دعوى أن الله جل وعلا وحده المستحق للعبادة كان بعد ذلك حريا به أن يدعو الناس وهو على يقين أن ما يدعو إليه هو الحق.
القرآن يعضد بعضه بعضا, كله كلام الله.

والحقيقة العظمى التي أراد القرآن تبليغها للناس تقوم على ما يأتي:
جادل الله الكفار بمبدأ عظيم وهو أنه من يخلق هو وحده من يستحق العبادة, فإذا أثبتم أن هناك خالقا غير الله فاصرفوا له العبادة, وإن وقع في أيديكم وثبت لديكم أن لا خالق إلا الله فوجب ألا تصرف العبادة إلا له.
فأعظم ما تحلي به نفسك وقلبك أن تعلم يقينا أنه لا خالق إلا الله.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]أول آية خاطب الله جل وعلا فيها عباده بفعل أمر كانت الدعوة إلى عبادته المبنية على مسألة أن الله جل وعلا وحده هو الخالق, ومادام الله تبارك وتعالى هو الخالق فهو وحده المستحق للعبادة؛ قال الله في الآية الإحدى والعشرين من سورة البقرة { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } [البقرة/21] فينبغي أن تتحلى بمسألة عظيمة وهي علمك يقينا بأن كل ما سيأتي مبني عليها أن الله وحده جل وعلا هو الخالق, ومادام تبارك وتعالى لا خالق يخلق غيره فلا يجب أبدا ولا يجوز بحال أن يعبد غيره سبحانه وتعالى, ولا يمكن أن يساوى مابين رب هو خالق كل شيء وبين أحد غيره لا يمكن أن يخلق شيئا؛ قال الله { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } [الأعراف189\190] قال الله يبين بطلان دعواهم { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } [الأعراف/191] فأنكر الله جل وعلا عليهم مساواتهم من يخلق وهو الرب تبارك وتعالى بمن لا يخلق شيئا وهو غير الله تبارك وتعالى لأن كل مخلوق فالله جل وعلا خالقه؛

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]ولما كانت مسألة الخلق هي المسألة العظيمة التي بني عليه التوحيد تمدح الله جل وعلا بها بذاته العلية في أكثر من موطن في كتابه والله يقول {وما يعقلها إلا العالمون }

[العنكبوت/43] قال ربنا
{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } [المؤمنون13\14] وقال جل وعلا بعد أن ذكر أنه خلق السموات بغير عمد وأردف بعد ذلك ما شاء من مخلوقاته؛ قال سبحانه{ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} [لقمان/11] وقال في الفرقان { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} [الفرقان/3]

.
إلى غير ذلك من الآيات المبينة أن الله وحده خالق كل شيء فيبنى عليه أنه لا يعبد غيره, ولن تصل إلى مراحل عليا في التقوى وقدرة بعد ذلك على نفع الناس حتى يستقر هذا حقيقة في قلبك فإن استقر حقيقة في قلبك أصبحت بعد ذلك قادرا على نفع الناس .

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

ولهذا قلنا إن التأصيل العلمي الذي أصل الله جلا وعلا أنبيائه ورسله أنه أراهم ملكوت السموات

والأرض فازداد يقينا بعين البصر والبصيرة بربه تبارك وتعالى فأصبحوا ثابتين على هديه موقنين بقدرته جل وعلا غير عابئين بما يكون حولهم مما يصرفهم عن طاعة الله فنجم عن ذلك يقين لأنه نجم عن تلك النظرة يقينهم بأن الله هو الخالق وما دام أن الله وحده هو الخالق فالله وحده هو المستحق للعبادة؛ ينجم عن هذا بعد أن بينا أن أعظم حلية أن تعلم يقينا أن الله وحده هو الخالق, ينجم عن ذلك

أن يكون لك حظ من العبادة

ولا يتصور أن أحدا يدعو الناس ويرغبهم ولا طاعة ولا عبادة ولا سر بينه وبين الله قال الله جل وعلا {اعملوا آل داود شكرا } [سبأ/13] فكان لا يخلو ذلك البيت الصالح من أحد يعبد الله من قائم أو صائم أو مصل بين يدي الله؛

والمقصود من هذا أن طالب العلم من حليته المبنية على علمه بأن الله وحده هو المستحق للعبادة لابد أن يكون له حظ من العبادة, يقول صلى الله عليه وسلم " أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل"

فيكون بين طالب العلم وبين ربه حظ من عبادة أما صيام أو صلاة أو ركعتين في الضحى أو غير ذلك مما جاءت به سنة محمد صلى الله عليه وسلم فيكون الإنسان على بينة من هديه لأنه بذلك الحظ والنصيب من العبادة يرتقي الإنسان في سلم التقوى, وإذا ارتقى في سلم التقوى فتح الله جل وعلا له قلوب الخلق وأعانه على أن يبلغ دعوة ربه كما كانت الأنبياء والرسل قال صلى الله عليه وسلم " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود "

ففصل وأبان بعد أن بين أن داود على أن الله أعطاه الله ملكا ونبوة ووحيا إلا أنه كان لهذا النبي الصالح والعبد الصالح حظ من عبادة بينه وبين الله يتقرب بها إلى ربه تبارك وتعالى.

* قال تبارك وتعالى وهذه ثالث الحلى عن صفوة أنبيائه { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار* إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } [ص45\46]

[/url] محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]تذكر الآخرة

حلية لابد منها لمن أراد أن يدعو الناس.

يبتلى طالب العلم بفتنة النساء, ويبتلى بفتنة المال, ويبتلى بفتنة السلطان, ويبتلى بفتنة الجاه, ويبتلى بفتنة المدح والثناء من الناس, ويبتلى بحب العامة, ويبتلى بابتلاءات شتى .. المعين الأعظم في أن يتقي تلك الفتن بعد رحمة الله ذكر الدار , تلك الخالصة والخصيصة التي خص الله جل وعلا صفوة من خلقه وثلة من رسله{ إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار}[ ص\46].

العرب أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة تقول في ( لو , لولا ) تقول في "لولا" إنها حرف امتناع لوجود. وتقول في "لو" إنها حرف امتناع لامتناع.

ويوم القيامة إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار, كتب الله لكل فريق منهما مقعده في المكان الآخر, فيرى أهل الجنة مقعدهم من النار الذي نجاهم الله منه فيقولون{وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف\43].

والمعنى لولا وجود رحمة الله جل وعلا وهدايته وفضله لنلنا ذلك المكان الذي يرون فيه مقعدهم من النار الذي نجاهم الله منه؛ وعلى الضد, أهل النار يرون مقعدهم من الجنة فيقولون كما حكى الله{ لو أن الله هداني لكنت من المتقين } [الزمر/57].

" لو" حرف امتناع لامتناع, فامتنعت رحمة الله بهم وهدايته لهم فلما امتنعت الهداية لهم امتنع نيل ذلك المكان الذي يبصرونه ولا يتمكنون منه؛ فإذا وضع طالب العلم وأي مسلم ومسلمة بين عينيه ذكر الدار, وقوفه بين يدي الله الواحد القهار, كثير من الأماني تضمحل وكثير من الآمال التي نسعى لتحقيقها تتوارى ولا يبقى هم للعبد ولا للأمة إلا أن يرضى الله جل وعلا عنه.

والله ليس العار والشنار أن يكتب عنك في موقع, أو أن يشهر بك في صحيفة, أو أن يلوك الناس في عرضك في الدنيا, ولكن العار والشنار هو ذل الفضيحة بين يدي الرب تبارك وتعالى؛ قال الله تبارك وتعالى{وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون } [الزمر/69].

ما اتقى الإنسان شيئا بعد نار جهنم أعظم من ذل الفضيحة يوم العرض على الله, وحتى يتقى هذا ينبغي أن يعلم أنك أطعت الله أو عصيته لا ملجأ لك من الله إلا إليه.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]ذكروا - وأظن أني قرأته في "روح البيان" هذا من المحفوظ القديم- أن رجلا - أيا كان سند القصة, العبرة بدلالتها- شاب حج مع رجل في التسعين, فلما وضع رجل التسعين قدمه في الركاب,

قال:"لبيك اللهم لبيك". فسمع صوتا يناديه " لا لبيك ولا سعديك". وسمعها الشاب,
فقال للرجل الطاعن في السن: أما سمعت كيف أجبت؟ قال: نعم, منذ سبعين سنة كلما لبيت يقال لي: لا لبيك ولا سعديك.
فقال الشاب له: ومع ذلك تحج؟! قال: نعم, ما الحيلة يا بني؟! أين الملجأ؟ ليس لي إلا الله!.

فأنت أطعت الله أو عصيته ليس لك ملجأ إلا الله؛ إن أطعته تلجأ إليه أن يتقبل طاعتك, وإن عصيته تلجأ إليه أن يغفر لك ذنبك.
لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه, وهي مبنية على الحقيقة الأولى"وهو يقينك بعظمتك ربك تبارك وتعالى".

الأمر الرابع: لابد أن يكون هناك منهج في الاقتداء,

وهذه التي تحتار فيها الأفهام وتزل فيها الأقدام, لابد للسائرين على الركب أن يكون لهم منهج في الاقتداء وهم يسيرون, فخلط الأوراق وإنزال الأشياء في غير منازلها مما يؤخر الوصول ويحول بين المرء وبين بلوغ غايته, والمنهج في الاقتداء أن ينظر الإنسان بعين البصر والبصيرة في أيام قد خلت وسنين قد سلفت وقرون قد مضت, فيتأملها حق التدبر, فينزل الأشياء منازلها, حتى يعرف كيف يقتضي فيما مضى من سالف الأصلاح, وأظن أن غياب المنهج في الاقتداء من أعظم آفات طلب العلم في عصرنا.

*******

من الناس من لا يأخذ إلا طريق الشدة, فإن كلمته قال: عمر إذا ضرب أوجع وإذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع.

وبعض الناس يأخذ طريق الرفق والرقة واللين في كل شيء, فإذا كلمته, أجابك:إن أبا بكر كان رجلا أسيفا.

وكلا الفريقين والمحتجين مخطئ فيما ذهب إليه, وإنما تنزل الأشياء منازلها, حتى لا يظلم صالح الأسلاف ولا نسير في طريق غير بين في طريقنا إلى الله.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]لما رميت عائشة رضي الله عنها فيما رميت به, انقطع الوحي-توقف- فلما توقف الوحي توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سكت الله فسكت رسوله, فلما سكت الله وسكت رسوله سكت أبو بكر؛ فكان أبو بكر لا يملك أن يدافع عن ابنته مثقال ذرة, لأن نظر في توقف النبي صلى الله عليه وسلم فتوقف, فكان يقرأ القرآن على سطح منزله, فيسمع بكاء ابنته عائشة وبكاء أمها أم رومان- زوجته- فيبكي رضي الله عنه وأرضاه, ولا يزيد في أمره على البكاء.
هذا الرجل نفسه الذي عجز أن يقول إن ابنتي بريئة, هو نفسه الذي قال يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم" والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتم عليه".

هذا الرجل نفسه المتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم والذي اكتفى أن يبكي فوق سطح منزله يوم رميت ابنته, هو نفسه من صعد المنبر وقال " من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"

فإن جئت أيها المبارك تقتدي بأبي بكر, فانظر موقف أبي بكر وملابسات القضية كاملة حتى يتبين لك موقف أبي بكر ثم تقتدي بموقف أبي بكر أما أن ينزل موضع أبي بكر في أمر شديد على أمر لين, أو في أمر لين على أمر شديد, هذا كله خطأ في المنهج في الاقتداء,

وظلم صالح الأسلاف ظلما كثيرا لما نسبت إليهم من عبارات, وبما نقل عنهم من كلمات, وبما خطى بعض الناس بعدهم من خطوات, بأن البعض لم يفقه ما الطريقة المثلى في الاقتداء بمن مضى.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]والأمة شهدت علماء ربانين على مر العصور, كان أعظم من منّ الله عليه بالقبول في الأرض- نسأل الله أن يجعل ذلك أمارة على قبوله في السماء- كان أعظم ما اتصفوا به ورعهم؛ فورع العلماء المبني على القاعدة الثالثة وهي ذكر الدار, هو الذي جعلهم برحمة الله من الله وفضل يقتدى بهم ويتأسى بهم؛

جلس أبو حنيفة رحمة الله تعالى عليه- ومن مثل أبي حنيفة- جلس للتدريس, فجلس أمامه محمد بن الحسن- تلميذه فيما بعد- وكان محمد بن الحسن وسيما وهو يومئذ شاب حدث, لم يختط شاربه فأقامه أبو حنيفة وأجلسه وراءه حتى لا يفتن به, وفي نفس الوقت حتى لا يحرمه العلم, وما رأى أبو حنيفة محمد بن الحسن حتى نبتت له لحية! فأدرك محمد بن الحسن شيئا يسيرا في ملازمة أبي حنيفة ملازمة حقيقية.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]والآن انظر؛ ثلث أمة محمد صلى الله عليه وسلم على مذهب أبي حنيفة؛ فالإنسان إذا اتقى الله جل وعلا وملئ ورعا ورزق الكيفية في الاقتداء, يؤتي ثمار ورعه بعد سنين, ولهذا قال الله جل وعلا وهذا مبني على أمر مهم وهو أن الأصل أن الإنسان إذا أعطي حظه في الدنيا, الأصل أن هذا بناء على ماذا؟ على حظه من الآخرة, والله لما ذكر خليله إبراهيم قال{وآتيناه أجره في الدنيا} فحتى لا ينقدح في الأفهام أن إبراهيم نال أجره في الدنيا فلا مقام له في الآخرة, قال الله جل وعلا بعدها { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [العنكبوت/27].

ووالله لو أعطيت ما أعطيت من جاه ومال وقرب من سلطان وشهرة وخفقان النعل وراءك وتلمس الناس لمقابلتك وحرصهم على تقبيل رأسك , كل ذلك لن يعدل شيئا واحدا من نعيم الجنة لو حرمت منه, ولن يعدل يوما في النار لو كتبت لك النار { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون* إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون } [مريم40/39]

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

على ما بنيننا في الحقائق الأول؛ ينبغي أن يعلم طالب العلم أن من أعظم ماكان عليه صالح الأسلاف الذين نشر الله ذكرهم, وهذا تابع للمنهجية في الاقتداء أنهم زهدوا فيما في أيدي الناس, فكتب الله لهم الذكر الحسن في الدنيا, والله أعلم بمآلهم في الآخرة, لكن نشهد لصالح المؤمنين أن يجعل مآل أمرهم إلى خير, ولا نقطع لأحد بشهادة.

فأنت في مسيرتك ينبغي أن تعلم حتى تكون على متين من العلم وبينة من الأمر أن تزهد كل الزهد فيما أيدي الناس؛قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله " طوبى لمن أخمل الله ذكره" وقال الشافعي رحمه الله" وددت لو أن الناس أخذوا عني هذا العلم وانتفعوا به ولم ينسب إلي منه شيء".

فنشكو الله حرصنا على الدنيا, لا يظهر لنا شريط إلا ويكتب عليه "جميع حقوقه محفوظة" فإنا لله وإنا إليه راجعون.
المقصود من هذا: أن الإنسان إذا كان متينا في هذا الأمر وهو بناء نفسه إيماني , ويقينه بربه تبارك وتعالى كان راسخا في مسيرته العلمية وفي طريقه إلى ربه تبارك وتعالى.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

المنهج في الاقتداء- وهو آخر ما تحدثنا فيه- يفرض علينا أن نبين أمورا ذكرنا منها:الورع.

الأمر الثاني : أن تعلم أن الاختلاف في الآراء سنة ماضية؛

فالورع يمنعك مع ذكر الدار بالتلازم والترابط بين ما قلناه, يمنعك أن تشنع على أخيك أو تتهمه بما ليس فيه؛ لأنه خالفك في مسألة أو عدل عن قولك في قضية.
قال الشاطبي رحمه الله وهو واحد من صالحي الأسلاف:

وواجب عن اختلاف الفهم ** إحساننا الظن بأهل العلم.

وقال رحمه الله- ونعم ما قال-: وإن مصادمة الشريعة ورد أحايث النبي صلى الله عليه وسلم أمر لا يمكن أن يتهم به فساق المسلمين, فكيف يتهم به علماؤهم!".

فإن رأيت لأحد العلماء قولا غلب على ظنك أنه بعيد النجعة عن الحق فالتمس له عذرا؛ فلعله يأتي عليك يوم تقول بقول لا يوافق عليه الناس.

[size=9]

وحسب امرئ أن يجعل القول مما يدين الله به لو قام بين يدي الله لقال نفس القول؛ هذا يكفينا منه أن يصل الإنسان في ورعه وتقواه إلى هذه المنزلة وبيان المسائل ورد الأخطاء في منأى تام على أن نخوض في أعراض المؤمنين أو أعراض المؤمنات, أو أن نتهمهم بما ليس فيهم أو أن نقدح في مقاصدهم, قال أبو جعفر المنصور رحمة الله عليه لمالك عليه رحمة الله: وطئ للناس كتابا تجنب فيه شداد ابن عمر ورخص ابن عباس.

فمنذ أن كانت الدنيا كان يوجد منهج متشدد ومنهج متراخي, منذ الصدر الأول , فالمتشددون لهم أدلتهم, والمتراخون- إن صح التعبير وهو مصطلح ولا مشاحة في الاصطلاح- لهم أدلتهم

فينبغي على العاقل أن يتقي الله جل وعلا في أعراض المؤمنين, ولا يتهمهم بما ليس فيهم ولا يجعل من الخلاف العلمي طريقا إلى القدح في الأعراض والنيل من الناس وبيان نقصهم والتشهير بهم كل ذلك لا يليق بمن أراد أن يطلب العلم ويصل بنفسه إلى مرتق صعبا فيه يريد بذلك رضوان الرب تبارك وتعالى

هذا ما تيسر إعداده في هذا اليوم وهو مختصر جدا لأن عندي محاضرة في محافظة الفويلق وتحتاج إلى ساعة في الطريق؛

غدا إن شاء الله تعالى نتكلم في البناء السلوكي والبناء المعرفي ويكفينا اليوم ما أخذناه من البناء الإيماني بإذن الله تعالى ورحمته.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]نأخذ أسئلة ولو خمس دقائق قبل أن نسافر ...

س/ هذا يقول كيف يرقق العبد قلبه؟

ج/ هذا قريب بعيد في نفس الوقت؛ لكن كما قلنا كل شيء يبدأ بمعرفة الله , إذا قدر للمرء أن يعرف الله حق المعرفة حقق الله جل جلاله له مراده.. ثمت عوامل ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وهي مندرجة في هذا الأصل وهي قضية زيارة القبور, والمسح على رؤوس اليتامى, والإحسان إلى الناس.
هذا بإذن الله مما تنال به رقة القلوب.

س/ ما هي أفضل طريقة لقيام الليل؟

ج/ النبي عليه الصلاة والسلام قام الليل كما أمره ربه ونقلت عائشة رضي الله عنها أن من كل الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم ونقلت صورا شتى رضي الله في قيامه لليل أشهرها أنه كان يصلي مثنى مثنى ثم إذا خشي الصبح أوتر بواحدة ونقلت عنه أنه صلى ثمان ركعات سردا لم يجلس إلا في الثامنة ثم قام وأتى بالتاسعة ثم سلم سلاما يسمعه أهله ذكره مسلم في الصحيح وذكرت أنه بعد أن بدن وحمل اللحم صلوات الله وسلامه عليه كان يؤدي هذه ستا سردا ثم يجلس ثم يأتي بالسابعة هذه صور من قيامه الليل صلوات الله وسلامه عليه.

*لكن أنا أريد أنه أنبه إلى حاجة مهمة جدا.. سواء قدر لك أن تحضر هذه اللقاءات أو لم يقدر تمسك بالأصل؛ كل شيء ترغب في نيله لا يهبه إلا الله وكل شيء تخاف منه لا يدفعه إلا الله.

فتمسك بهذا الأصل, اقطع العلائق بينك وبين الخلائق لا ترجو من أحد نفعا ولا ضرا ولا تؤمل في أحد أن يوصلك إلى منزلة أو يخفض فيك شيء ؛ كل شيء بيد الله, مقاليد السموات والأرض بيد الله , فاعرف ربك جيدا من خلال ما أثنى الله به على نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]إذا عرفت الله حقا الزم تلك المعرفة وأدي ما عرفك الله به وسيأتي تطبيقات يوم غد وبعد غد في قضية ما ينجم عن معرفة الله؛ لكن أردت اليوم أن يكون تأصيلا علميا فلو قدر أنك لن تستطيع أن تحضر غدا أو بعد غد,

القضية الأساسية مبنية كلها على معرفة الله { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } [الشورى/7]

ومن يهن الله فماله من مكرم, يهدي الله لنوره من يشاء..., إلى غير ذلك من آيات عدة يبين الله فيها أن الأمور كلها بيديه.

بلقيس أيها المبارك خرجت من أرض اليمن إلى أرض فلسطين تبحث عن شيء واحد : ألا يز عرشها وألا يذهب ملكها فأعطاها الله فوق ما تؤمل قالت{قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } [النمل/44].

صفية بنت حيي بن أخطل أبوها يهودي وعمها يهودي وزوجها يهودي وكلهم أعداء ظاهرون للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجها الله من هذا البيت العداوات كله وجعلها زوجة لنبيه في الدنيا والآخرة.

والله لا صفة طلبت الإسلام, ولا بلقيس خرجت تريد إسلاما, ولا موسى يوم قرب من النار كان يؤمل في شيء أعظم من جذوة من النار فجعل الله نبيا وكليما للواحد القهار.

إذا علمت هذا فاعلم أن الفضل كله بيد الله والمحروم من حرمه الله جل وعلا من فضله.
ووالله لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا أحد غيرنا يملك لنا كما لا نملك لغيرنا. الأمور كلها بيد الله فإذا وقر في قلبك هذا ثم ندمت لزمت ما تنبي عليه المعية بالله فما أعطاك الله فأقبله وكن من الشاكرين وما حرمك الله إياه فاصبر وكن من الصابرين .

فالسير إلى الله سراء وضراء؛ السراء مطيتها الشكر, والضراء مطيتها الصبر .

وماكان لك سيأتيك على ضعفك وما لم يكن لك لن تناله بقوتك, جفت الأقلام وطويت الصحف وقضى الله من الخلق كلهم .
اللهم إنا نعوذ بك من سوؤ المنقلب, نسأل الله الثبات على دينه إلى يوم نلقاه سبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.

محاضرة "حلية طالب العلم " كاملة للشيخ المغامسي ( صوتا وتفريغا ) Df276

[size=16]إخواتي في الله ، تم بحمد الله ومنته نقل تفريغ الجزء الأول من هذه المحاضرة

وهي ، رغم طولها ، و بكل صدق تحتاج منا لوفقات عدة حتى نترجمها إلى أعمال تقربنا إلى الله أكثر و أكثر

بنهج الطريق السليم في طلب العلم و التحلي بهذه الدرر التي تفضل بها شيخنا "صالح المغامسي

أسأل الله لمن سجلها و فرغها الدرجات العلا من الجنة و أن يبلغه الله فوق ما يأمله

الله يعطيك العافية على هذا الجهد المبارك

جزاك الله خيراً ونفع بك

ممكن تتاكدي من المادة الصوتية الرابط لا يعمل

جزاكم الله خيرا