سلسلة نساء صدقن-1-/حاملة نور النبوة /

إنها أم الرحمة المهداة، سيدة الأمهات زهرة بني زهرة حاملة البشرى... كيف ذاك؟ تعالوا نستجلي الخبر ممن زامن البشرى و رأى البشارة، ففي طبقات ابن سعد عن عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي عن أبيه عن عمته قالت : كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حملت به أمه كانت تقول : "ما شعرت بأني حامل به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء، إلا أني أنكرت رفع حيضتي، على أنها كانت ربما ترفعني وتعود فأتاني آت وأنا بين النوم واليقظة فقال:هل شعرت أنك حملت ؟ فكأني أقول : ما أدري، فقال : إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها، وذلك يوم الإثنين، فكان ذلك مما يقن عندي الحمل".


بيئة طيبة ومنبت حسن

نشأت سيدتنا آمنة في بيئة طيبة ومنبت كريم، فاجتمع لها من أصالة النسب ورفعة الحسب ما تفخر به في المجتمع المكي الذي يعتز بكرم الأصول ومجد الأعراق. يلتقي نسبها برسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد الخامس من جهة أبيها وفي الجد السادس من جهة أمها، حسب ما أوردته كتب تراجم بيت النبوة.


انتقال النور من الصلب الطيب إلى الرحم الطاهر

حين أراد الله لآمنة أن تتزوج بعبد الله ابن عبد المطلب يوم افتدائه من الذبح، انصرف الجد آخذا بيد ابنه حتى أتى به دار وهب وكان سيد قومه نسبا وشرفا، فزوجه ابنته آمنة .
وزفت آمنة إلى عبد الله، وخرج من صلبه النور الذي كان معه. ذلك النور الذي تمنت بنات قريش أن يظفرن به بعرضهن أنفسهن على عبد الله، لكن بعد الزواج أشحن عنه، مما أثار تعجبه فسأل إحداهن " بنت نوفل" : "مالك لا تعرضين علي اليوم، ما كنت عرضت علي بالأمس ؟ فأجابت: فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة" انظر الحوار في طبقات ابن سعد1/97. أما قصة ذلك النور فقد جاءت لآمنة في رؤيا قصتها على زوجها أنها رأت كأن شعاعا من النور ينبثق من كيانها اللطيف فيضيء الدنيا من حولها حتى لكأنها ترى به قصور بُصرى من الشام وسمعت هاتفا يهتف بها : ( إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ) سيرة ابن هشام 1/156 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما" انظر تراجم سيدات النبوة. ولم تعش آمنة مع زوجها إلا مدة وجيزة لم تبلغ الشهرين حتى رحل إلى الشام ومات في طريق عودته بيثرب، أحست بعدها بخفقة حياة في أعماقها فكانت أول من بشر بنور المصطفى كائنا حيا بين أحشائها بينما تموج الجزيرة العربية ببشارة قرب ظهور نبي جديد لهذه الأمة.



استعاذة وبشارة

جاءها المخاض في وقت السحر فجر الإثنين من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وسمعت آمنة من يهتف بها من جديد، إنها توشك أن تضع سيد هذه الأمة، ويأمرها أن تقول حين تضعه أعيذه بالواحد من شر كل حاسد) ثم تسميه محمدا.
ولنصغ إلى السيدة أمنة وهي تحكي يوما لمرضعة ابنها بما رأت وسمعت حين حملت به، قالت : "..فوا لله ما رأيت من حمل قط كان أخف من حمله ولا أيسر منه، وضع حين ولدته وإنه لواضع يديه على الأرض، رافع رأسه إلى السماء"



كرامات المولد إشارة

تقول أم عثمان بن أبي العاص التي كانت مع آمنة ليلة المولد : " فما من شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو مني حتى أني لأقول : لتقعن علي" رواه الإمام ابن عبد البر رحمه الله.
و أسند الإمام ابن سعد رحمه الله عن سيدنا أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " رأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام ". لقد انبعثت ليلة المولد أنوار عظيمة أضاءت السماء، وارتجت السماوات والأرض لمولده، فغاصت مياه بحيرة سادى بينما فاضت مياه دجلة، واهتز عرش كسرى وسقط كثير من أبراجه، وانطفأت نيران (زرادشت) التي ضلت مشتعلة منذ آلاف السنين دون توقف، وانكفأت جميع أصنام العالم على الأرض تعظيما وتكريما لمولد سيد الخلق صلى الله عليه و سلم كما جاء في كتاب " نساء صالحات من التاريخ الاسلامي" لمحي الدين عبد الحميد ص/42. أفلا تهتز قلوبنا اليوم بحبه ونصرة دينه، وتجتهد جوارحنا باتباعه واقتفاء أثره بصحبة من صحب فنكون رهبانا بالليل فرسانا بالنهار.



إجابة النداء بعد أداء الرسالة

أحست آمنة بعد أن وضعت وليدها أن الشطر الأهم من رسالتها قد انتهى بمولد رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأقبلت على صغيرها ترعاه، وعاشت له حتى بلغ السادسة من عمره، فسعت به إلى قبر أبيه بيثرب وفي الطريق إلى مكة وافتها المنية، فأجابت نداء ربها بعد أن أدت رسالتها، ويا لها من رسالة ...أهدت للبشرية سيد خلقها، وخاتم أنبيائها، الرحمة المهداة.
ماتت حاملة نور النبوة، سيدة الأمهات، لكن ذكراها لم تمت وعملها لم ينقطع بل سيظل خالدا على مر العصور، يحف به جلال أمومتها فيستثير أنبل ما في وجدان المؤمنين. وهذه الدنيا تصغي اليوم وغدا إلى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه " رواه الإمام البخاري رحمه الله. لا يغيب عنها، بل تلمح طيف آمنة بنت وهب ملء ذاك القلب الكبير.
هذه آمنة حاملة نور النبوة إليك، فهلا حملت النور واتبعت، وأرضعت ما جاء به النور لأطفال، لأمة عطشى إلى ما قد سمعت من نداء النبوة وأطعت.

تتباهى بك العصور وتسمو بك
علياء بعدها علياء
فهنيئا به لآمنة الفضل
الذي شرفت به حواء